تقديم المحقق
الحمد لله حمد الكاملين وحده القائل في محكم كتابه الكريم: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة 9/122]، والصلاة والسلام على من لا رسول بعده القائل في جوامع كَلِمِه: «من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين» (صحيح البخاري، العلم 10)، وعل آله وأصحابه ومن تبعهم في وضع لبنة موضعها في جدار هذا الدين.
أما بعد فإن الشريعة الإسلامية رسالة خالدة، ودين متكامل مناسبة لكل زمان ومكان. لأن أحكامها شرعت منذ البداية مراعية للتدريج. وعلى الرغم من أن تشريع الحكم في الشريعة الإسلامية ملكٌ لله ولرسوله، فإن الشارع أعطى العلماء المجتهدين صلاحية التشريع ضمن ظروف معينة في إطار أصول الدين. وبه تتصف الشريعة الإسلامية بالمرونة والصلاحية لكل زمان.
ومن المعروف للجميع أن تطور البشرية سينتج عنه قضايا جديدة في صلب حياة الإنسان وبحاجة إلى حكم، ولم يأل العلماء المجتهدون جهدا في مواكبة هذه القضايا حين استفتاهم الناس. ومن بين هذه القضايا المحدثة تناول الدخال وتعاطي التبغ وأنواعه.
وخلال القرون الأربعة الماضية، ناقش العديد من الفقهاء والمجتهدين حكم هذه المسائل، وكتبوا فيها رسائل وكتبًا، ولكنّهم لم تتفق آرائهم في حكمها. وسبب هذا الاخلاف واضح ومفهوم لأن أضرار التدخين بطيئة الأثر على جسم الإنسان، ولكن بعد سنين طويلة تتراكم أضراره على متعاطيه وقد تؤدي به إلى الموت. وثمّة سبب آخر وهو أن التطور التقنيّ في مجال الصحّة والطبّ لم يكن يسمح بتشخيص الأمراض قد تنشأ عن هذه الموادّ. ومع ذلك، ومع تطور التكنولوجية في عصرنا والقفزة النوعية في مجال الطب ثبت أن هذه الموادّ تسبّب الكثيرَ من الأضرار للناس ومن حولهم، وتولد العديد من الأمراض بكلّ تأكيد. لو كانت هذه الإمكانيات موجودةً في تلك الأزمان التي ظهر فيها الدخان لأول مرة، لانعكس هذا على الحكم عليه وأدى إلى اتفاق آراء العلماء على تحريمه. وعلى الرغم من أنّ هذه التطوّرات في مجال الصحّة والطبّ لم تكن متاحة في تلك الأزمان فقد وجد مِن الفقهاء والمجتهدين مَن قال: إنّ هذه الموادّ حرامٌ مستندين إلى أدلَّةٍ متنوعة. وواحد من هؤلاء الفقهاء هو عبد النافع الحمويّ المدنيّ. فقد حكم عبد النافع قبل قرون أن: "هذه العادة التي أدمنتها البشرية حرام"، وكتب رسالةً في بيان هذا الحكم. وقد سمّاها بـ"تخليص الإنسان من ظلمات الدخان". وهدفنا عرض هذه الرسالة التي كُتبت قبل قرون، وتكمن أهميتها في مناسبتها لحكم الدخال في هذه الأيام، فتكون هذه الرسالة كأنما كتبت لمن يدخّنون أو
تقديم المحقق
الحمد لله حمد الكاملين وحده القائل في محكم كتابه الكريم: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة 9/122]، والصلاة والسلام على من لا رسول بعده القائل في جوامع كَلِمِه: «من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين» (صحيح البخاري، العلم 10)، وعل آله وأصحابه ومن تبعهم في وضع لبنة موضعها في جدار هذا الدين.
أما بعد فإن الشريعة الإسلامية رسالة خالدة، ودين متكامل مناسبة لكل زمان ومكان. لأن أحكامها شرعت منذ البداية مراعية للتدريج. وعلى الرغم من أن تشريع الحكم في الشريعة الإسلامية ملكٌ لله ولرسوله، فإن الشارع أعطى العلماء المجتهدين صلاحية التشريع ضمن ظروف معينة في إطار أصول الدين. وبه تتصف الشريعة الإسلامية بالمرونة والصلاحية لكل زمان.
ومن المعروف للجميع أن تطور البشرية سينتج عنه قضايا جديدة في صلب حياة الإنسان وبحاجة إلى حكم، ولم يأل العلماء المجتهدون جهدا في مواكبة هذه القضايا حين استفتاهم الناس. ومن بين هذه القضايا المحدثة تناول الدخال وتعاطي التبغ وأنواعه.
وخلال القرون الأربعة الماضية، ناقش العديد من الفقهاء والمجتهدين حكم هذه المسائل، وكتبوا فيها رسائل وكتبًا، ولكنّهم لم تتفق آرائهم في حكمها. وسبب هذا الاخلاف واضح ومفهوم لأن أضرار التدخين بطيئة الأثر على جسم الإنسان، ولكن بعد سنين طويلة تتراكم أضراره على متعاطيه وقد تؤدي به إلى الموت. وثمّة سبب آخر وهو أن التطور التقنيّ في مجال الصحّة والطبّ لم يكن يسمح بتشخيص الأمراض قد تنشأ عن هذه الموادّ. ومع ذلك، ومع تطور التكنولوجية في عصرنا والقفزة النوعية في مجال الطب ثبت أن هذه الموادّ تسبّب الكثيرَ من الأضرار للناس ومن حولهم، وتولد العديد من الأمراض بكلّ تأكيد. لو كانت هذه الإمكانيات موجودةً في تلك الأزمان التي ظهر فيها الدخان لأول مرة، لانعكس هذا على الحكم عليه وأدى إلى اتفاق آراء العلماء على تحريمه. وعلى الرغم من أنّ هذه التطوّرات في مجال الصحّة والطبّ لم تكن متاحة في تلك الأزمان فقد وجد مِن الفقهاء والمجتهدين مَن قال: إنّ هذه الموادّ حرامٌ مستندين إلى أدلَّةٍ متنوعة. وواحد من هؤلاء الفقهاء هو عبد النافع الحمويّ المدنيّ. فقد حكم عبد النافع قبل قرون أن: "هذه العادة التي أدمنتها البشرية حرام"، وكتب رسالةً في بيان هذا الحكم. وقد سمّاها بـ"تخليص الإنسان من ظلمات الدخان". وهدفنا عرض هذه الرسالة التي كُتبت قبل قرون، وتكمن أهميتها في مناسبتها لحكم الدخال في هذه الأيام، فتكون هذه الرسالة كأنما كتبت لمن يدخّنون أو